دراما عربية تتصدّر المشهد العالمي: من “المدرسة الروابي” إلى “الهيبة”

في السنوات الأخيرة، لم تعد الدراما العربية حبيسة الشاشات المحلية أو المواسم الرمضانية التقليدية. بل أصبحت اليوم جزءًا أصيلًا من المشهد الترفيهي العالمي، بعد أن فتحت منصات مثل نتفليكس وشاهد وIMDb الباب أمام جمهور واسع من مختلف القارات لاكتشاف القصص والمواهب العربية. من الدراما التاريخية إلى الكوميديا الاجتماعية، ومن الرعب إلى التوثيق السياسي، دخلت المسلسلات العربية المنافسة بقوة، واكتسبت جمهورًا جديدًا عبر الترجمة والترويج الرقمي.

في هذا التقرير، نستعرض أبرز الأعمال العربية التي تركت بصمتها على هذه المنصات، ونكشف كيف تطوّرت الدراما العربية لتواكب العصر الرقمي وتخاطب جمهورًا متعدد الثقافات.

الأردن يفتح الباب: “جن” و”مدرسة الروابي”

أطلقت منصة نتفليكس أولى تجاربها الأصلية باللغة العربية عام 2019 مع مسلسل “جن”، وهو دراما شبابية تدور أحداثها في مدينة البترا الأردنية، حيث يصطدم مجموعة مراهقين بقوى خارقة في جو يمزج بين الأساطير العربية والواقع المراهق. ورغم الجدل الذي أثاره المسلسل آنذاك، إلا أنه شكّل بداية مرحلة جديدة للدراما العربية الموجهة للجمهور العالمي.

وبعدها بعامين، عاد الأردن إلى الواجهة من خلال مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” (2021)، الذي حظي بإشادة نقدية واسعة وجمهور عالمي كبير. تناولت السلسلة قضايا حساسة مثل التنمّر والتمييز المجتمعي، وقدّمت بطلات شابات في أدوار قوية وواقعية، ما جعلها واحدة من أنجح المسلسلات العربية على نتفليكس.

مصر: عودة الكلاسيكية بروح عصرية

تبقى مصر واحدة من أبرز المراكز الإنتاجية للدراما العربية، وقد نجحت في تقديم أعمال قوية على المنصات الرقمية، بينها مسلسل “ما وراء الطبيعة”، أول إنتاج مصري أصلي لنتفليكس عام 2020. المسلسل، المأخوذ عن سلسلة روايات الراحل أحمد خالد توفيق، دمج بين الرعب والفلسفة والهوية المصرية بأسلوب نال إعجابًا كبيرًا عالميًا.

ومن الأعمال الحديثة التي لاقت رواجًا، مسلسل “البحث عن علا” (2022)، وهو امتداد لشخصية “علا عبد الصبور” التي قدّمتها هند صبري في “عايزة أتجوز”، ولكن هذه المرة في رحلة نضوج واكتشاف الذات بعد الطلاق، وسط تغيرات الحياة الاجتماعية.

كما لا يمكن تجاهل النجاح الرمضاني المستمر لمسلسلات مثل “جعفر العمدة” (2023) بطولة محمد رمضان، والذي مزج بين الدراما العائلية والتشويق الشعبي، و**”الكبير أوي”** الذي استمر لأكثر من عقد من الزمن كواحد من أبرز المسلسلات الكوميدية في مصر والعالم العربي.

لبنان وسوريا: دراما تلامس العمق

من بيروت إلى دمشق، تواصل الدراما اللبنانية والسورية تقديم محتوى يجمع بين الجودة والإثارة. على رأس هذه الأعمال يأتي مسلسل “الهيبة”، الذي استمر لعدة مواسم وتحوّل إلى ظاهرة جماهيرية في المنطقة، حيث تابع المشاهدون قصة “جبل شيخ الجبل” وصراعه مع العشائر والسلطة والعدو.

وفي لبنان، انتشرت مؤخرًا أعمال مستوحاة من الدراما التركية، مثل مسلسل “الثمن” (2023)، الذي عُرض على منصة شاهد، وناقش قصة أم تضطر لقبول عرض قاسٍ من مديرها لإنقاذ ابنها المريض بالسرطان. بينما يواصل مسلسل “كريستال” (2023) جذب الجمهور بقصة انتقام ورغبة في التفوّق بين فتاتين من عالمين مختلفين.

أما الدراما السورية، فلا تزال حاضرة بقوة، لا سيما في الأعمال التاريخية مثل “باب الحارة” الذي أصبح رمزًا للدراما الرمضانية منذ 2006، و**”التغريبة الفلسطينية”** (2004)، أحد أكثر الأعمال تأثيرًا في تصوير معاناة الشعب الفلسطيني خلال نكبة 1948. كذلك أثار مسلسل “الندم” (2016) إعجاب النقاد والجمهور، بطرحه لتاريخ سوريا الحديث من وجهة نظر كاتب يعيش بين الذكرى والندم.

الخليج العربي: صعود سريع نحو العالمية

في العقد الأخير، ظهرت موجة جديدة من الدراما الخليجية التي تجرّأت على طرح مواضيع اجتماعية واقتصادية معاصرة. من بين أبرز هذه الأعمال:

  • “الحمّور H.A.” (2023): عمل درامي سعودي مأخوذ عن قصة حقيقية تتناول أكبر عملية احتيال مالي في تاريخ المملكة.
  • “تحطيم العيد – Crashing Eid”: كوميديا اجتماعية خفيفة، تحكي قصة امرأة سعودية تعود إلى الوطن برفقة خطيبها البريطاني الباكستاني، في أحداث مليئة بالتصادمات الثقافية والمواقف الطريفة.
  • “المنصة – The Exchange” (2022): عمل درامي من الإمارات يسلّط الضوء على دور المرأة في عالم المال والأعمال خلال فترة الثمانينات.

وفي الجانب الكوميدي، لا تزال سلسلة “طاش ما طاش” تحظى بمكانة خاصة، فقد امتدت لأكثر من 19 موسمًا، واستطاعت بذكاءها النقدي وسخريتها الاجتماعية أن تصبح واحدة من أنجح الأعمال التلفزيونية في تاريخ الخليج.

من نوع مختلف، برزت برامج الواقع التي تقدّم لمحات من حياة النخبة العربية، مثل برنامج “دبي بلينغ” (2022)، الذي يوثق حياة مجموعة من الأثرياء في دبي، ويعرض مظاهر الرفاهية والبذخ بأسلوب درامي مبالغ فيه، لكنه ناجح في جذب انتباه الجمهور العالمي.

إنتاج فلسطيني يروي الوجع: “فرحة”

في عام 2021، قدّمت نتفليكس الفيلم الفلسطيني “فرحة”، الذي أثار جدلًا عالميًا لجرأته في تصوير نكبة 1948 من خلال قصة فتاة فلسطينية صغيرة تختبئ في قبو منزلها. الفيلم أثار إعجابًا كبيرًا في المهرجانات، وأثار أيضًا موجة من النقاشات السياسية والثقافية، لكونه يقدّم الرواية الفلسطينية بطريقة إنسانية وعاطفية قوية.

كيف تتابع هذه الأعمال؟

  • على نتفليكس: يمكن استكشاف قسم “Arabic Movies & TV Shows” الذي يضم عشرات المسلسلات والأفلام من مختلف الدول العربية.
  • على IMDb: بالبحث عن تصنيفات مثل “Best Arabic TV Series 2025” أو “Series Arabic History”, يمكن العثور على تقييمات ومراجعات تفصيلية.
  • على Shahid VIP: أصبحت المنصة مرجعًا أساسيًا لأحدث الإنتاجات الخليجية واللبنانية والسورية، مع محتوى حصري ينافس عالميًا.

خلاصة

الدراما العربية اليوم ليست مجرد وسيلة للترفيه المحلي، بل أصبحت جزءًا من الحوار الثقافي العالمي. بفضل منصات البث، أصبح للمسلسلات العربية فرصة للوصول إلى جمهور جديد، وتقديم حكايات من عمق المجتمع العربي برؤية حديثة وجريئة. من البترا إلى القاهرة، ومن دمشق إلى دبي، تتحدث الدراما العربية لغات متعددة – لكنها تظل في جوهرها مرآة للواقع، وسردًا لما هو إنساني وعربي في آنٍ واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top